الزهد فى الاسلام

حقيقة الزهد
خطوات الشيطان (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) (الأعراف/ 176)، لقد كان بإمكانه أن يترفع ولكنه التصق بالأرض واتبع هواه.

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يونس/ 7-8).

نفهم من مجموع هذه الآيات أنّ ما يذمّه الدين ويرفضه هو الانقطاع إلى الدنيا والغفلة عن الله والآخرة، والإخلاد إلى الأرض والالتصاق بها والاكتفاء بالحياة الدنيا، وعندما يقال بأنّ الدنيا مذمومة فالمراد هو التعلّق بها والتوقّف عندها وعدم النظر والتدبر بما بعدها.

قال الإمام عليّ (ع): "وإنما الدنيا منتهى بصر الأعمى".


الجانب الذي يذمّه الدين هو العمى، عدم امتداد النظر إلى ما وراء حجب الطبيعة، انحصار الفكر بالمادة. يقول القرآن الكريم: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (النجم/ 29-30).

إنّ حب الدنيا وحب النساء والأولاد والأموال والجاه مسألة فطريّة أودعها الله في ذات الإنسان من أجل استمرار الحياة، ولو سلبت منه لنسفت حياته في الدنيا وحياته في الآخرة.

إنّ حركة الحياة والتكامل تتوقف على تلك الميول الفطرية، ولكن الانقطاع إليها والاكتفاء بها سيوقف الإنسان في حدود حيوانيته وسيمنعه من السير في طريق التكامل.

إذن فمن هو التارك للدنيا الزاهد فيها؟ إنّه الإنسان الذي سخّر الدنيا من أجل الوصول إلى هدفه السامي في الآخرة.

إنّ الانقطاع إلى الدنيا لا يؤدي إلى توقف حياة الإنسان بل إلى تدميرها فهل تظنون أنّ الحرص يتمكن من إدارة الدنيا؟ أو أنّ الطمع قادر على تسيير الحياة؟ أو أنّ الغضب والشهوة يمكنها من منح العالم قدراً من النظام؟ وهل أنّ عبادة البطن أو المرأة أو المال أو الجاه أو كلّ ما يعبر عن الاكتفاء بالدنيا والاستغراق فيها قادر على منح السعادة للإنسان؟ إنّ الإنسان لا يمكنه أن يدير الدنيا أو يصنع مدينته الفاضلة، ويحيى حرّاً إلا إذا سخر الدنيا لإرادته ولم يصبح أسيراً لها تتقاذفه أمواجها المتلاطمة.

إنّ جميع الرذائل كالكذب والرياء والتملق والظلم إنما تنشأ من عبادة الدنيا، وفي مقابل ذلك فإنّ جميع الفضائل إنما تنتج عن الزهد في الدنيا وعدم الاكتفاء بها.

إنّ الإنسان لا يمكنه أن يصبح شجاعاً إذا كان غارقاً في حب الدنيا وعبادتها كما لا يمكنه أن يكون عفيفاً أو أن يعيش حياته حراً كريماً.

إنّ الزاهد هو من تتوفر فيه هذه الخصال لا الإنسان المنزوي الذي يعيش على هامش الحياة ضعيفاً سلبياً متطفلاً خاضعاً لعبيد الدنيا.

الزاهد هو من يسمو على أولئك العبيد بفكرة لا يخشى فراق الحياة وتقلباتها، شجاع جريء حرّ عفيف كريم وتملأ نفسه روح التضحية والفداء.

إنّ أوّل خصلة في أولئك الذين يضحون بأنفسهم هي الزهد في الدنيا بكلّ ما للزهد من معاني، فهذا عليّ أمير المؤمنين (ع) الذي هو خلاصة جميع الفضائل الإنسانية من عدالة وتقوى وشجاعة وحرية وسخاء وكرم ووفاء ومروءة، لقد حاز جميع هذه الصفات لأنّه رأى نفسه أسمى وأشرف من الدنيا وما فيها، قال في وصيته لولده الحسن: وأكرم نفس عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً، وما خير لا ينال إلا بشرّ" وقال (ع): "الدنيا دار ممر لا دار مقر، والناس رجلان، رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها".

وهناك فريق يعيش ثمّ يغادر الدنيا وفي رقبته آلاف القيود وهناك فريق آخر يغادر الدنيا حرّاً لا يعرف للعبودية معنى، إلا عبودية الله سبحانه، لا يعبد الشهوة والمال ولا ينقاد للغضب ولا يخضع للجاه ولا يستسلم للثراء بل يحيى حرّاً كريم النفس، وهذا هو المعنى الحقيقي للزهد.►

المصدر : البلاغ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عمل مربى البلح

قسطرة القلب